كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَصْلٌ:
وَالْأَمْرُ بِتَسْبِيحِهِ يَقْتَضِي أيضًا تَنْزِيهَهُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَسُوءٍ وَإِثْبَاتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ. فَإِنَّ التَّسْبِيحَ يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ وَالتَّعْظِيمَ وَالتَّعْظِيمَ يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ الْمَحَامِدِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا. فَيَقْتَضِي ذَلِكَ تَنْزِيهَهُ وَتَحْمِيدَهُ وَتَكْبِيرَهُ وَتَوْحِيدَهُ.
قال ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا ابْنُ نفيل الْحَرَّانِي ثَنَا النَّضْرُ ابْنُ عَرَبِيٍّ قال: سَأَلَ رَجُلٌ مَيْمُونَ بْنَ مهران عَنْ (سُبْحَانَ اللَّهِ). فَقال: اسْمٌ يُعَظَّمُ اللَّهُ بِهِ وَيُحَاشَى بِهِ مِنْ السُّوءِ. وَقال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال (سُبْحَانَ) قال: تَنْزِيهُ اللَّهِ نَفْسِهِ مِنْ السُّوءِ.
وعن الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قولهِ: {سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} قال عَجَبٌ.
وعن أَبِي الْأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ قال: (سُبْحَانَ) اسْمٌ لَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ أَنْ يَنْتَحِلُوهُ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ غير واحد مِنْ السَّلَفِ مِثْلُ قول ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُ تَنْزِيهُ نَفْسِهِ مِنْ السُّوءِ.
وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حديث مُرْسَلٌ وَهُوَ يَقْتَضِي تَنْزِيهَ نَفْسِهِ مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ كَمَا يَقْتَضِي تَنْزِيهَهُ عَنْ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ. وَنَفْيُ النَّقَائِصِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَفِيهَا التَّعْظِيمُ كَمَا قال مَيْمُونُ بْنُ مهران اسْمٌ يُعَظَّمُ اللَّهُ بِهِ وَيُحَاشَى بِهِ مِنْ السُّوءِ.
وروى عَبْدُ بْنُ حميد: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ موهب عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّسْبِيحِ فَقال: «إنزاهه عَنْ السُّوءِ».
وقال حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مخلد عَنْ شَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) قال: تَنْزِيهُهُ. حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ قال: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقال: (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) نَعْرِفُهَا أَنَّهُ لَا إلَهَ غَيْرُهُ و(الْحَمْدُ لِلَّهِ) نَعْرِفُهَا أَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا مِنْهُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ عليها و(اللَّهُ أَكْبَرُ) نَعْرِفُهَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَكْبَرَ مِنْهُ فَمَا (سُبْحَانَ اللَّهِ)؟ فَقال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا يُنْكَرُ مِنْهَا؟ هِيَ كَلِمَةٌ رَضِيَهَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَأَمَرَ بِهَا مَلَائِكَتَهُ وَفَزِعَ إلَيْهَا الْأَخْيَارُ مِنْ خَلْقِهِ.
فَصْلٌ:
قولهُ: {الَّذي خلق فسوى وَالَّذي قدر فهدى} الْعطف يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْمعطوف وَالْمعطوف عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ وَأَنَّ بَيْنَهُمَا مُغَايِرَةٌ إمَّا فِي الذَّاتِ وَإِمَّا فِي الصِّفَاتِ. وَهُوَ فِي الذَّاتِ كَثِيرٌ كَقولهِ: {إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَالَّذينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذينَ أَشْرَكُوا}. وَأَمَّا فِي الصِّفَاتِ فَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ. فَإِنَّ الَّذي خلق فسوى هُوَ الَّذي قدر فهدى؛ لَكِنَّ هَذَا الِاسْمَ وَالصِّفَةَ لَيْسَ هُوَ ذَاكَ الِاسْمُ وَالصِّفَةُ. وَمِثْلُهُ قولهُ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} وَمِثْلُهُ قولهُ: {الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالغيب} إلَى قوله: {وَالَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}. وَقولهُ: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيوم الْآخِرِ} وَقولهُ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} وَقولهُ: {إلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذينَ هُمْ على صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَاَلَّذينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} الْآيَاتِ. وَقولهُ: {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الْآيَاتِ فَإِنَّهُ مَنْ صَدَقَ وصَبَرَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُؤْمِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا. وَكَثِيرًا مَا تَأْتِي الصِّفَاتُ بِلَا عطف كَقولهِ: {هُوَ اللَّهُ الَّذي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} وَقولهُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إلَهِ النَّاسِ}. وَقَدْ تَجِيءُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ كَقولهِ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الودود ذُو العرش المجيد فَعَّالٌ لما يريد}. وَلَوْ كَانَ (فَعَّالٌ) صِفَةً لَكَانَ مُعَرَّفًا بَلْ هُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. وَقولهُ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لَكِنْ بِالْعطف بِكُلِّ مِنْ الصِّفَاتِ. وَأَخْبَارُ الْمُبْتَدَأِ قَدْ تَجِيءُ بِعطف وَبِغَيْرِ عطف. وَإِذَا ذُكِرَ بِالْعطف كَانَ كُلُّ اسْمٍ مُسْتَقِلًّا بِالذِّكْرِ وَبِلَا عطف يَكُونُ الثَّانِي مِنْ تَمَامِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى. وَمَعَ الْعطف لَا تَكُونُ الصِّفَاتُ إلَّا لِلْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ أَوْ لِلْمَدْحِ وَأَمَّا بِلَا عطف فَهُوَ فِي النَّكِرَاتِ لِلتَّمْيِيزِ وَفِي الْمَعَارِفِ قَدْ يَكُونُ لِلتَّوْضِيحِ.
{وَالَّذي أَخْرَجَ المرعى} وُصِفَ بِكُلِّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَمُدِحَ بِهَا وَأُثْنِيَ عَلَيْهِ بِهَا. وَكَانَتْ كُلُّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ مُسْتَوْجِبَةً لِذَلِكَ.
فَصْلٌ:
قال تعالى: {الَّذي خلق فسوى}. فَأَطْلَقَ الْخلق وَالتَّسْوِيَةَ وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ الْإِنْسَانَ كَمَا أَطْلَقَ قولهُ بَعْدَ {وَالَّذي قدر فهدى} لَمْ يُقَيِّدْهُ. فَكَانَ هَذَا الْمُطْلَقَ لَا يَمْنَعُ شُمُولَهُ لِشَيْءِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَدْ بَيَّنَ مُوسَى عليه السلام شُمُولَهُ فِي قولهِ: {رَبُّنَا الَّذي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُقَيَّدَ بِالْإِنْسَانِ فِي قولهِ: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فعدلك}. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَّلَ مِنْ القرآن وَهُوَ قولهُ: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خلق خلق الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقرأ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْآيَاتِ مُطْلَقِهَا وَمُقَيَّدِهَا وَالْجَامِعِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ قَدْ ذَكَرَ خَلْقَهُ وَذَكَرَ هِدَايَتَهُ وَتَعْلِيمَهُ بَعْدَ الْخلق كَمَا قال فِي هَذِهِ السُّورَةِ: {الَّذي خلق فسوى وَالَّذي قدر فهدى}.
لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ خلقت لِغَايَةِ مَقْصُودَةٍ بِهَا فلابد أَنْ تُهْدَى إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ الَّتِي خلقت لَهَا. فَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهَا وَمَا أُرِيدَتْ لَهُ إلَّا بِهِدَايَتِهَا لِغَايَاتِهَا. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ خلق الْأَشْيَاءَ لِحِكْمَةِ وَغَايَةٍ تَصِلُ إلَيْهَا كَمَا قال ذَلِكَ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ. وَقالتْ طَائِفَةٌ كَجَهْمِ وَأَتْبَاعِهِ إنَّهُ لَمْ يَخلق شَيْئًا لِشَيْءِ وَوَافَقَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ. وَهُمْ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ مُرِيدٌ وَيُنْكِرُونَ أَنْ تَكُونَ لَهُ حِكْمَةٌ يُرِيدُهَا. وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ يُثْبِتُونَ عِنَايَتَهُ وَحِكْمَتَهُ وَيُنْكِرُونَ إرَادَتَهُ. وَكِلَاهُمَا تَنَاقُضٌ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ على فَسَادِ قول هَؤُلَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَنَّ مُنْتَهَاهُمْ جَحْدُ الْحَقَائِقِ. فَإِنَّ هَذَا يَقول: لَوْ كَانَ لَهُ حِكْمَةٌ يَفْعَلُ لِأَجْلِهَا لَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُرِيدَ الْحِكْمَةَ وَيَنْتَفِعَ بِهَا وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. وَذَاكَ يَقول: لَوْ كَانَ لَهُ إرَادَةٌ لَكَانَ يَفْعَلُ لِجَرِّ مَنْفَعَةٍ؛ فَإِنَّ الْإِرَادَةَ لَا تُعْقَلُ إلَّا كَذَلِكَ. وَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ يَقولونَ: لَوْ فَعَلَ شَيْئًا لَكَانَ الْفِعْلُ لِغَرَضِ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.
فَيُقال لِهَؤُلَاءِ: هَذِهِ الْحَوَادِثُ الْمَشهودةُ أَلَهَا مُحْدِثٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قالوا (لا) فَهُوَ غَايَةُ الْمُكَابَرَةِ. وَإِذَا جَوَّزُوا حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ فَتَجْوِيزُهَا بِمُحْدِثِ لَا إرَادَةَ لَهُ أَوْلَى. وَإِنْ قالوا (لَهَا مُحْدِثٌ) ثَبَتَ الْفَاعِلُ. وَإِذَا ثَبَتَ الْخَالِقُ الْمُحْدِثُ فَإِمَّا أَنْ يَفْعَلَ بِإِرَادَةِ أَوْ بِغَيْرِ إرَادَةٍ. فَإِنْ قالوا (يَفْعَلُ بِغَيْرِ إرَادَةٍ) كَانَ ذَلِكَ أيضًا مُكَابَرَةٌ. فَإِنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ فِي الْعَالَمِ إنَّمَا صَدَرَتْ عَنْ إرَادَةٍ. فَإِنَّ الْحَرَكَاتِ إمَّا طَبْعِيَّةٌ وَإِمَّا قَسْرِيَّةٌ وَإِمَّا إرَادِيَّةٌ. لِأَنَّ مَبْدَأَ الْحَرَكَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَحَرِّكِ أَوْ مِنْ سَبَبٍ خَارِجٍ. وَمَا كَانَ مِنْهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الشُّعُورِ أَوْ بِدُونِ الشُّعُورِ. فَمَا كَانَ سَبَبُهُ مِنْ خَارِجٍ فَهُوَ الْقَسْرِيُّ وَمَا كَانَ سَبَبُهُ مِنْهَا بِلَا شُعُورٍ فَهُوَ الطَّبْعِيُّ وَمَا كَانَ مَعَ الشُّعُورِ فَهُوَ الْإِرَادِيُّ. فَالْقَسْرِيُّ تَابِعٌ لِلْقَاسِرِ وَاَلَّذي يَتَحَرَّكُ بِطَبْعِهِ كَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالْأَرْضِ هُوَ سَاكِنٌ فِي مَرْكَزِهِ؛ لَكِنْ إذَا خَرَجَ عَنْ مَرْكَزِهِ قَسْرًا طَلَب الْعَوْدَ إلَى مَرْكَزِهِ فَأَصْلُ حَرَكَتِهِ الْقَسْرُ. وَلَمْ تَبْقَ حَرَكَةٌ أَصْلِيَّةٌ إلَّا الْإِرَادِيَّةُ. فَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي الْعَالَمِ فَهِيَ عَنْ إرَادَةٍ. فَكَيْفَ تَكُونُ جَمِيعُ الْحَوَادِثِ وَالْحَرَكَاتِ بِلَا إرَادَةٍ؟. وَأيضًا فَإِذَا جَوَّزُوا أَنْ تَحْدُثَ الْحَوَادِثُ الْعَظِيمَةُ عَنْ فَاعِلٍ غَيْرِ مُرِيدٍ فَجَوَازُ ذَلِكَ عَنْ فَاعِلٍ مُرِيدٍ أَوْلَى.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُرِيدٌ قِيلَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَهَا لِحِكْمَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَهَا لِغَيْرِ حِكْمَةٍ. فَإِنْ قالوا (لِغَيْرِ حِكْمَةٍ) كَانَ مُكَابَرَةً. فَإِنَّ الْإِرَادَةَ لَا تُعْقَلُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرِيدُ قَدْ فَعَلَ لِحِكْمَةِ يَقْصِدُهَا بِالْفِعْلِ. وَأيضًا فَإِذَا جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا مُرِيدًا بِلَا حِكْمَةٍ فَكَوْنُهُ فَاعِلًا مُرِيدًا لِحِكْمَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. وَأَمَّا قولهُمْ: هَذَا لَا يُعْقَلُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَنْتَفِعُ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَاجَةَ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُوجِبُ احْتِيَاجَهُ إلَى غَيْرِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَبَاطِلٌ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَهُوَ الصَّمَدُ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَهُوَ الْقَيوم الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الْمُقِيمُ لِكُلِّ مَا سِوَاهـ. فَكَيْفَ يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَى غَيْرِهِ؟ وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ بِالْخلق حِكْمَةٌ هِيَ أيضًا حَاصِلَةٌ بِمَشِيئَتِهِ فَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ هُوَ الْحَقُّ. وَإِذَا قالوا (الْحِكْمَةُ هِيَ اللَّذَّةُ) قِيلَ: لَفْظُ (اللَّذَّةِ) لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ مُوهِمٌ وَمُجْمَلٌ. لَكِنْ جَاءَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ (يُحِبُّ) و(يَرْضَى) و(يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِذَا أُرِيدَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ فَهُوَ حَقٌّ. وَإِنْ قالوا: (الْحِكْمَةَ إمَّا أَنْ تُرَادَ لِنَفْسِهَا أَوْ لِحِكْمَةِ) قِيلَ: الْمُرَادَاتُ نَوْعَانِ مَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ وَمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ غَايَةً وَحِكْمَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى مَخْلُوقٍ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لِحِكْمَةِ أُخْرَى. فلابد أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى حِكْمَةٍ يُرِيدُهَا الْفَاعِلُ لِذَاتِهَا. وَالْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ تُثْبِتُ حِكْمَةً لَا تَعُودُ إلَى ذَاتِهِ. وَأَمَّا السَّلَفُ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ حِكْمَةً تَعُودُ إلَيْهِ كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ قوله تعالى: {الَّذي خلق فسوى وَالَّذي قدر فهدى}. وَالتَّسْوِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْئَيْنِ سَوَاءً كَمَا قال: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} وقوله تعالى: {تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} و{سَوَاءٌ} وَسَطٌ لِأَنَّهُ مُعْتَدِلٌ بَيْنَ الْجَوَانِبِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لابد فِي الْخلق وَالْأَمْرِ مِنْ الْعَدْلِ. فلابد مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فَإِذَا فُضِّلَ أحدهُمَا فَسَدَ الْمَصْنُوعُ كَمَا فِي مَصْنُوعَاتِ الْعِبَادِ إذَا بَنَوْا بُنْيَانًا فلابد مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْحِيطَانِ إذْ لَوْ رُفِعَلا حَائِطٌ على حَائِطٍ رَفْعًا كَثِيرًا فَسَدَ. ولابد مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ جُذُوعِ السَّقْفِ فَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْجُذُوعِ قَصِيرًا عَنْ الْغَايَةِ وَبَعْضُهَا فَوْقَ الْغَايَةِ فَسَدَ. وَكَذَلِكَ إذَا بُنِيَ صَفٌّ فَوْقَ صَفٍّ لابد مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَكَذَلِكَ الدَّرَجُ الْمَبْنِيَّةُ. وَكَذَلِكَ إذَا صُنِعَ لِسَقْيِ الْمَاءِ جَدَاوِلُ وَمَسَاكِبُ فلابد مِنْ الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ فِيهَا. وَكَذَلِكَ إذَا صُنِعَتْ مَلَابِسُ لِلْآدَمِيِّينَ فلابد مِنْ أَنْ تَكُونَ مُقدرةً على أَبْدَانِهِمْ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ. وَكَذَلِكَ مَا يُصْنَعُ مِنْ الطَّعَامِ لابد أَنْ تَكُونَ أَخْلَاطُهُ على وَجْهِ الِاعْتِدَالِ وَالنَّارُ الَّتِي تَطْبُخُهُ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ السُّفُنُ الْمَصْنُوعَةُ. وَلِهَذَا قال اللَّهُ لدَاوُد: {وَقدر فِي السَّرْدِ} أَيْ لَا تَدُقَّ الْمِسْمَارَ فَيُقْلِقْ وَلَا تُغْلِظْهُ فَيُفْصَمْ وَاجْعَلْهُ بِقدر. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي مَصْنُوعَاتِ الْعِبَادِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ مَصْنُوعَاتِ الرَّبِّ فَكَيْفَ بِمَخْلُوقَاتِهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا صُنْعَ فِيهَا لِلْعِبَادِ كَخلق الْإِنْسَانِ وَسَائِرِ الْبَهَائِمِ وَخلق النَّبَاتِ وَخلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَلَائِكَةِ. فَالْفُلْكُ الَّذي خَلَقَهُ وَجَعَلَهُ مُسْتَدِيرًا مَا لَهُ مِنْ فُرُوجٍ كَمَا قال تعالى: {الَّذي خلق سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خلق الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} وَقال تعالى: {وَالسماء ذَاتِ الْحُبُكِ} وَقال: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى السماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} فَهُوَ سبحانه سَوَّاهَا كَمَا سَوَّى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَعَدَلَ بَيْنَ أَجْزَائِهَا. وَلَوْ كَانَ أحد جَانِبَيْ السماء دَاخِلًا أَوْ خَارِجًا لَكَانَ فِيهَا فُرُوجٌ وَهِيَ الْفُتُوقُ وَالشُّقُوقُ وَلَمْ يَكُنْ سَوَّاهَا كَمَنْ بَنَى قُبَّةً وَلَمْ يُسَوِّهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ أحد جَانِبَيْهَا أَطْوَلَ أَوْ أَنْقَصَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَالْعَدْلُ وَالتَّسْوِيَةُ لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمَصْنُوعَاتِ. فَمَتَى لَمْ تُصْنَعْ بِالْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَقَعَ فِيهَا الفساد. وَهُوَ سبحانه {الَّذي خلق فسوى}.
قال أَبُو الْعالية فِي قولهِ: {خلق فسوى} قال: سَوَّى خَلْقَهُنَّ وَهَذَا كَمَا قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يوميْنِ}.
فَصْلٌ:
ثُمَّ إذَا خلق الْمَخْلُوقَ فسوى فَإِنْ لَمْ يَهْدِهِ إلَى تَمَامِ الْحِكْمَةِ الَّتِي خلق لَهَا فَسَدَ. فلابد أَنْ يُهْدَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَا خلق لَهُ.
وَتِلْكَ الْغَايَةُ لابد أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِلْخَالِقِ. فَإِنَّ الْعِلَّةَ الغائية هِيَ أَوَّلٌ فِي الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَهِيَ آخِرٌ فِي الْوُجُودِ وَالْحُصُولِ. وَلِهَذَا كَانَ الْخَالِقُ لابد أَنْ يَعْلَمَ مَا خَلَقَ. فَإِنَّهُ قَدْ أَرَادَهُ وَأَرَادَ الْغَايَةَ الَّتِي خَلَقَهُ لَهَا وَالْإِرَادَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعِلْمِ. فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ الْحَيُّ مَا لَا شُعُورَ لَهُ بِهِ. وَالصَّانِعُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا فَقَدْ عَلِمَهُ وَأَرَادَهُ وَقدر فِي نَفْسِهِ مَا يَصْنَعُهُ وَالْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا وَمَا الَّذي يُوَصِّلُهُ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ. وَاَللَّهُ سبحانه قدر وَكَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «قدر اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ على الْمَاءِ». وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ على الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ».
فَقَدْ قدر سبحانه مَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَهُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ حِين كَانَ عَرْشُهُ على الْمَاءِ إلَى يوم الْقِيَامَةِ كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «أَوَّلُ مَا خلق اللَّهُ الْقَلَمَ فَقال: اُكْتُبْ. فَقال مَا أَكْتُبُ؟ فَقال: اُكْتُبْ مَا يَكُونُ إلَى يوم الْقِيَامَةِ».
وَأَحَادِيثُ تَقْدِيرِهِ سبحانه وَكتابتِهِ لما يريد أَنْ يَخْلُقَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قولهِ: {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقدر} فَقال قال ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ اللَّهَ قدر الْمَقَادِيرَ بِقدرتِهِ وَدَبَّرَ الْأُمُورَ بِحِكْمَتِهِ وَعَلِمَ مَا الْعِبَادُ صَائِرُونَ إلَيْهِ وَمَا هُوَ خَالِقٌ وَكَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ فَخلق اللَّهُ لِذَلِكَ جَنَّةً وَنَارًا فَجَعَلَ الْجَنَّةَ لِأَوْلِيَائِهِ وَعَرَّفَهُمْ وَأَحَبَّهُمْ وَتَوَلَّاهُمْ وَوَفَّقَهُمْ وَعَصَمَهُمْ وَتَرَكَ أَهْلَ النَّارِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ وَأَضَلَّهُمْ وَأَزَلَّهُمْ. فَخلق لِكُلِّ شَيْءٍ مَا يُشَاكِلُهُ فِي خَلْقِهِ مَا يُصْلِحُهُ مِنْ رِزْقِهِ فِي بَرٍّ أَوْ فِي بَحْرٍ. فَجَعَلَ لِلْبَعِيرِ خَلْقًا لَا يَصْلُحُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ على غَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ. وَكَذَلِكَ كَلُّ دَابَّةٍ خلق اللَّهُ لَهُ مِنْهَا مَا يُشَاكِلُهَا فِي خَلْقِهَا فَخَلْقُهُ مُؤْتَلِفٌ لما خَلَقَهُ لَهُ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ.
قال ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثَنَا أَبِي ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ مهران الْقَزَّازُ نا حِبَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: سَأَلْت الضَّحَّاكَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقدر} قال الضَّحَّاكُ قال ابْنُ عَبَّاسٍ فذكرهُ. وَقال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْحَسَنِ قال: مَنْ كَذَّبَ بِالْقدر فَقَدْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ. خلق اللَّهُ خَلْقًا وَأَجَّلَ أَجَلًا وَقدر رِزْقًا وَقدر مُصِيبَةً وَقدر بَلَاءً وَقدر عَافِيَةً. فَمَنْ كَفَرَ بِالْقدر فَقَدْ كَفَرَ بِالقرآن.
وقال حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ الجزري عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جريح عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قال: أَتَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَنْزِعُ مِنْ زَمْزَمَ وَقَدْ ابْتَلَّتْ أَسَافِلُ ثِيَابِهِ فَقُلْت لَهُ: قَدْ تُكُلِّمَ فِي الْقدر. فَقال: أو قَدْ فَعَلُوهَا؟ قلت: نَعَمْ. قال: فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إلَّا فِيهِمْ: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقدر} أُولَئِكَ شِرَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَلَا تُصَلُّوا على مَوْتَاهُمْ. إنْ رَأَيْت أحدا مِنْهُمْ فَقَأْت عينيْهِ بِأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ.
وقال أيضًا: حَدَّثَنَا علي بن الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْد حَدَّثَنَا سَهْلٌ الْخَيَّاطُ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ الحداني نا حِبَّانُ بْنُ عُبَيْدٍ اللَّهِ قال: سَأَلْت الضَّحَّاكَ عَنْ قولهِ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كتاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}.